رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن دور الجامعات فى تعزيز البحث العلمي

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن دور الجامعات فى تعزيز البحث العلمي
بقلم \ الكاتب والمفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
نائب رئيس جامعة بيرشام الدولية بإسبانيا والرئيس التنفيذي، والمدير التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
من الامور الاساسية التي تؤكد عليها الانظمة التربوية الحديثة هو الاهتمام بالانسان بصورة كلية ومتكاملة لذلك نراها تأخذ بنظر الاعتبار تنمية شخصيته في جميع الجوانب وتربيته بصورة متكاملة ومتوازية ومستمرة معرفيا ومهاريا ونفسيا واجتماعيا واخلاقيا بما يجعل منه انسانا صالحا وعضوا نافعا في المجتمع الذي يعيش فيه .
وتعد الجامعات والمعاهد والمراكز التابعة لها من ابرز المؤسسات الاجتماعية واهمها والتي لها مميزات وحصائص تجعلها تتميز عن غيرها من المؤسسات التربوية الاخرى المسؤولة عن اعداد افراد المجتمع ، والتي انشأت من قبل المجتمع لتقوم بأعداد وتربية وتعليم ابناءه في ضوء مايمتلكه هذا المجتمع من ارث حضاري وثقافي وعلمي تجعلهم يحترمون فلسفة المجتمع وعاداته ومبادئه وينسجمون معها ويستجيبون الى افرازات التطور العلمي والتكنولوجي في العالم ويتفاعلون مع حضارات الشعوب الاخرى ويستفيدون منها في ضوء حاجة المجتمع وتطلعاته .
فالجامعات مؤسسات علمية اجتماعية اكاديمية تعمل على تزويد الطلبة بالمعارف والخبرات والمهارات التي يحتاجون اليها في حياتهم الحاضرة والمستقبلية بما يؤدي الى تفاعلهم مع البيئة الاجتماعية وجعلهم قادرين على الارتقاء بها وتطويرها . وهي تعمل ايضا على نقل التراث الاجتماعي والحضاري وعادات المجتمع من جيل لاخر وغرسه في نفوس الطلبة ليسلكوا السلوك الاجتماعي المقبول . كما تعمل على تنمية القدرات الفردية وتشجيعها وتطويرها واثارة دافعيتهم ورغباتهم للعمل والاستجابة للتحديات الجديدة والمتغيرة في المجتمع ومواكبتها واستيعاب وتلبية متطلباتها .
وفي ضوء ذلك تبوأت الجامعات مكان الصدارة في المجتمع لانها مركز الاشعاع لكل ماهو جديد من الفكر والمعرفة والمكان الذي تنطلق منه اراء الاساتذة والمفكرين والعلماء وحملة شعلة الحضارة الانسانية وقادتها ورواد الاصلاح والتطوير ، وبذلك كان لها دور كبير ومتميز في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتطور العلمي في المجتمع نتيجة للدور المهم الذي يقوم به العاملون بها من مختلف المستويات العلمية والوظيفية من تخطيط وتنفيذ ومتابعة تجري وفق اسس واساليب علمية وتقنية متقدمة تعتمد العلم فقط ولاغيره اساسا لها .
لذلك اصبحت الجامعات من اهم المصادر الاساسية لتطوير المجتمع في شتى مجالات الحياة وانعكاساتها لما تمتلكه هذه المؤسسات من دور مهم وفاعل ومتميز في التنمية الشاملة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها ، ومن اهم المناخات الملائمة للحفاظ على القيم والافكار التي يسعى المجتمع الى تعزيزها وتربية الاجيال المتلاحقة عليها لغرض محافظته على هويته التي تميزه عن المجتمعات الاخرى والتي يعتز بها ويعتبرها احد مقومات السيادة الوطنية ، وكذلك فهي منارا لالتقاء الخبرات والتواصل العلمي والثقافي مع المجتمعات الاخرى ممثلة بالمؤسسات التعليمية العاملة فيها للاستفادة مما توصلت له تلك المؤسسات في مجتمعاتها ونقل مايتاسب منها مع احتياجات وتطلعات المجتمع لتكون في متناول ابناء المجتمع .
وفي ضوء ذلك فان الجامعات تؤدي دورا كبيرا واساسيا في اعداد الكوادر البشرية وتطويرها لتساهم من خلالها في تطوير حركة التقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي لاي مجتمع من المجتمعات . ولقد تعزز دور الجامعات بهذا الخصوص وخاصة بعد تسارع حركة التطور العلمي والتكنولوجي في العالم من خلال اعداد الطاقات البشرية المؤهلة للتعامل مع مفرداتها وافرازاتها ونتائجها .
اننا نستطيع القول بان الجامعات هي عبارة عن وحدات اجرائية عملية تقوم بدراسة وترجمة فلسفة التربية واهدافها الى اساليب عملية واجراءات محددة لاعداد الطلبة وتدريبهم لمواجهة التغييرات الاجتماعية وربط الجامعة بالحياة العملية والواقعية التي يعيشونها وتنمية وتهذيب وتعزيز القيم والافكار الثقافية والحضارية والروحية لديهم ، وتطهيرها من الشوائب والخرافات والامور االدخيلة والاحتفاظ بها بما يضمن بقاؤها واستمرارها .
كما انها تعمل على اتاحة الفرصة للطلبة للاتصال بالبيئة الاكبر ، فهي توفر لهم فرصة للتعرف على خبرات الشعوب والامم الاخرى وتجاربهم ومعارفهم وبيئاتهم لينطلقوا في مجالات واسعة ورحبة للاتصال بالعالم المتقدم ومحاولة اللحاق به ، كما انها تعمل على عرض المشاكل التي تواجه الطلبة وغيرهم وتدارسها والتعرف على طرائق حلها والتخلص منها باساليب مناسبة وحمايتهم من الوقوع بالمنزلقات والطرق التي تؤدي الى الانحراف ، والعمل على توفير بيئة اجتماعية متوازنة ومنضبطة ويتم ذلك من خلال الانظمة والتعليمات والضوابط التي يراعيها الطلبة داخل الجامعة والتي من خلالها تتكون شخصية الطالب المتوازنة والمتكاملة والسليمة من الناحية النفسية والاجتماعية .
لقد كانت المجتمعات تنظر الى الجامعات على انها مؤسسة تعليمية بحته مهمتها تزويد الطلبة بقدر معين من من المعرفة فقط ، ولكن في ضوء الفلسفة المجتمعية والتربوية الحديثة اصبحت تنظر لها على انها مؤسسات اجتماعية وتربوية تحاول من خلال العملية التعليمية تحقيق هدفين اساسيين وهما الاعداد العلمي والمهني للحياة العملية واعداد الطلبة للتفاعل الواسع والصحيح والاستجابة والتوافق معها . وبذلك تطورت وظيفة الجامعات لتشمل بالاضافة الى اعداد الطلبة للمهن التخصصية المختلفة ، حيث اشتملت على مهمة التدريب المستمر والمتواصل لمختلف شرائح المجتمع والذي تمكنت من خلاله الجامعات نشر الاتجاهات الحديثة واخر التطورات في العالم في مختلف التخصصات لجميع شرائح المجتمع المهيئة لاستيعابها والتفاعل معها ، وبذلك ظهر مفهوم التربية المستمرة ليشكل نموذجا تكامليا يجمع بين الاعداد والتدريب .
ومن الامور المهمة الاخرى التي يقوم بها اساتذة الجامعات هو البحث العلمي وكل ضمن تخصصه سواء كانت هذه البحوث اكاديمية ام تطبيقية حيث ان هذا النشاط يعتبر اساسيا ومكملا لمهمة الاستاذ الجامعي ووظيفته كونه عنصر اشعاع في مؤسسته التعليمية او في مجتمعه ، حيث ان هذا النشاط سوف يؤدي الى تنمية المعرفة العامة في المجتمع وتطويرها وبذلك كان لابد لها من القيام بهذه المهمة وتدريب العاملين فيها على اصول واساليب البحث العلمي وتوفير المناخ العلمي المناسب فيها لكي تبدع عقول اساتذتها ومفكريها لانتاج البحوث العلمية بمختلف التخصصات وخاصة البحوث التطبيقية التي تحاول حل ومعالجة العديد من القضايا والتناقضات الموجودة في المجتمع من خلال توفير المراجع والكتب العلمية والاجهزة والمعدات والادوات وتدريبهم على استخدامها بكفاءة وفاعلية ، وبهذا فهي تستطيع اثراء وتطوير المعلومات المتداولة في المجتمع للرقي بها ومحاولة اللحاق في مصاف الدول المتقدمة .
لابد للجامعات ان تشعر بتطلعات المجتمع وآماله وتوجهاته ومشكلاته حتى تكون معبرة عنها وواعية ومستجيبة لاحتياجاتها وعليها الاستجابة للاحتياجات الثقافية والعلمية والانسانية للمجتمع وذلك لكي تساهم بفاعلية في تنشيط البيئة الاجتماعية والعلمية والاخلاقية في المجتمع ومن ثم الارتقاء بمستواه الفكري .
اننا اذا اردنا العمل على تطوير المجتمع ينبغي علينا اولا وقبل كل شيء الاهتمام الجدي والكبير بالمؤسسات التعليمية والبحثية وخاصة مؤسسات التعليم العالي ممثلة بالجامعات والمعاهد التقنية والمراكز العلمية والبحثية المرتبطة بها ، والتوسع المدروس والمتوازن والمتكامل في انشاء الكليات والمعاهد ضمن الجامعات الموجودة وخاصة ذات التخصصات النوعية والتي تسعى الى التواصل مع الجامعات المتقدمة الاخرى لوصولها الى حافات العلم لنقلها الى المجتمع والاستفادة منها ، وزيادة الدعم المادي والمعنوي لها وتخصيص اللاموال اللازمة لها . كما ينبغي العمل على زيادة اعداد الطلبة والتدريسيين في الجامعات وبصورة مدروسة ومخطط لها مسبقا واختيار التخصصات المناسبة التي تكون على تماس مباشر مع حاجة المجتمع الفعلية والعمل على خلق المجتمع المثقف الذي يتميز ابناؤه بامتلاكهم حدا ادنى من المعرفة والثقافة العامة ليستطيعوا التفاعل والتعامل مع مايحدث في العالم من تغييرات متلاحقة .
ومن اجل خلق المجتمع المتطور الذي يتميز بالتنظيم والرقي والدقة في العمل وتغليب المصلحة العامة على المصالح الاخرى ، فأن على الجامعة ان تطبق انظمة وتعليمات وضوابط دقيقة وجادة وثابتة وغير قابلة للتغيير بصورة مستعجلة او ارتجالية وغير مدروسة مما قد يؤدي الى الاخلال بعملية اعداد الطلبة اثناء الدراسة فيها او الاخلال ببرامج التدريب المستمر لشرائح المجتمع مما قد يفقدها اهميتها الفعلية .
ولغرض مساهمة الجامعات في حل المشكلات التي يتعرض لها المجتمع كان لابد لها من تشجيع وتوجيه التدريسيين ومراكز البحوث وطلبة الدراسات العليا في مرحلتي الدكتوراه والماجستير بالاهتمام باجراء البحوث التطبيقية التي تتلائم مع احتياجات المجتمع وتساهم في حل مشكلاته وفي مختلف جوانب الحياة العامة .
ومن اجل ان تساهم الجامعات في اعداد الطالب بصورة كفوءة لمواجهة متطلبات الحياة وتطوراتها المستقبلية ، فعليها العمل وبصورة جدية على تطوير طرائق واساليب التدريس والتدريب فيها والاستفادة من اخر التطورات في مجال التقنيات التربوية الحديثة واستغلالها لتطوير هاتين العمليتين وخاصة الانترنت والحاسوب وتطبيفاتهما المختلفة لجعل الطلبة والمتدربين من شرائح المجتمع على تواصل مستمر مع مايجري في العالم من احداث وتطورات .
ومن النشاطات المهمة التي ينبغي للجامعات التأكيد عليها وتفعيلها بصورة جدية هو اقامة المؤتمرات العلمية والندوات المتخصصة والحلقات النقاشية سواء كان ذلك بين الاكاديميين العاملين بها انفسهم او الى مختلف شرائح المجتمع واختيار المواضيع لهذه المؤتمرات والندوات التي تكون ذات اهمية ومعنى عند الناس والتي يتطلع المستمعون والمشاركون فيها من خلال مشاركتهم بها الى المساهمة في حل ولو جزء بسيط من بعض المشكلات التي يتعرض لها المجتمع وان تنشر نتائج وتوصيات هذه المؤتمرات والندوات في وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية لغرض اطلاع عموم ابناء المجتمع واصحاب العلاقة على نتائجها وتوصياتها .
ولكي تساهم الجامعات في تطوير المجتمع ينبغي عليها العمل على زج اساتذتها بصورة مستمرة في ميادين العمل والانتاج المختلفة وكل حسب تخصصه وتوجهاته واهتماماته لغرض الاستفادة من خبراتهم في تطوير هذه القطاعات والقيام باجراء البحوث والمساهمات المشتركة بين اساتذه الجامعات والعاملين في هذه القطاعات لغرض نقل الخبرة وتبادل الرأي فيما بينهم وبما يسهم في دفع عجلة الانتاج في هذه القطاعات وكذلك الايحاء بافكار جديدة للاساتذة كمشاريع بحوث علمية مستقبلية نتيجة اختلاطهم بحقل العمل والاندماج في ظروفه ومشكلاته ومعوقات العمل فيه .
ويفضل ان تكون في الجامعات ورشات عمل متخصصة لغرض قيام منتسبيها بتصميم عدد من الاجهزة والمستلزمات والمواد بصورة فاعلة وكفوءة وطرحها الى سوق العمل كمواد منافسة لما معروض فيه خاصه وهي تحمل بصمة الجامعة ذات الخبرة الكبيرة والدقة العالية واستخدام الاسلوب العلمي الصحيح سواء في مرحلة التصميم او الانتاج وتخصيص جزء مهم من ايرادات بيع هذه الاجهزة والمواد لتطوير الجامعات والمؤسسات التابعة لها كنوع من التمويل الذاتي لكلياتها ومعاهدها والمراكز التابعة لها .
وهناك جانب آخر ومهم ينبغي للجامعات الالتفات له والاهتمام به وهو ضرورة العمل على تنشأة طلبتها وحث منتسبيها على الالتزام التام بالاخلاق الفاضلة التي لاتتعارض مع مباديء الدين الاسلامي الحنيف والاديان الاخرى ، وان يحترموا التقاليد الاجتماعية السائدة في المجتمع التي لاتتعارض مع مباديء السماء والعمل على جعل جهود التدريسيين والمنتسبين خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى اولا والمساهمة في تطوير المجتمع وبناءه، والابتعاد عن الشعارات الزائفة والاهداف المغرضة التي تحاول تهديم البناء التربوي والاجتماعي والاخلاقي للمجتمع ولو على المدى الطويل وعدم الاساءة الى المعتقدات التي توارثتها الاجيال والتي لاتتعارض مع رضا الله سبخانه وتعالى . كما ينبغي عليها الابتعاد عن النشاطات التي تعمل على اضعاف الجانب الروحي عند طلبتها ومنتسبيها ، لان الطالب اذا نشأ وتربى في بيئة صالحة يسعى من خلالها الى ارضاء الله والعمل باوامره والابتعاد عن نواهيه فان هذا بالضرورة سوف يجعل منه انسانا ومواطنا صالحا يضع خشية الله امام عينه وهو في ميادين العمل ، وهذا سوف يؤدي الى الاسهام الفاعل في بناء المجتمع وتطويره بجهود ابنائه المخلصين .
نتمنى ان نرى جامعاتنا مراكز اشعاع دائمة في المجتمع وان تكون رائدة التطوير والبناء في جميع نواحي الحياة ، وان تكون مصنعا كبيرا تختلط وتتظافر فيه كل الجهود الخيرة لتخلق الانسان المستقبلي المسلح بالعلم والمعرفة والالتزام الاخلاقي والديني ليساهم في وضع لبنة في طريق بناء المجتمع وتطويره .